PLATFORM SEDANG DIBAIK PULIH

بين عامين

بين عامين

Sh. M. Aladawi ARABIC.MY

الشيخ محمد العدوي

أستاذ الحديث وعلومه بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

بين عامين

إذا جاء عام جديد تبادل الناس التهاني(1)، وربما عبر بعضهم عن فرحهتم بهذه المناسبة عن طريق التوسع في أنواع مخصوصة من الطعام أعدوها، ومنهم من لا يعرف عن إنقضاء عام والدخول في عام جديد إلا تبديل التقويم، والكثير منهم لا يشغل ذهنه بمرور الزمن وانقضاء الأجل، الأيام عنده كلها سواء 

الزمن في اللغة

عند البحث عن معنى محدد للزمن في كتب اللغة لا تجد ما يطفيء الظمأ أو يزيل الحيرة، ففي المعجم الوسيط يقول: الزَّمَان الْوَقْت قَلِيله وَكَثِيره(2).. وبالكشف عن معنى الوقت يقول: الْوَقْت مِقْدَار من الزَّمَان قدر لأمر مَا (3) وفي معجم مقاييس اللغة لابن فارس قال: زمن: الزاء والميم والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على وَقتٍ من الوقت. من ذلك الزَّمان، وهو الحِين، قليلُهُ وكثيرُهُ. يقال زَمانٌ وزَمَن، والجمع أَزمانٌ وأزمنَة. (4) ، وبمثله قال محمد بن مكرم بن منظور في لسان العرب، ومرتضى الزَّبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس، والفيروزآبادي في القاموس المحيط، وأحمد بن محمد بن علي الفيومي في المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لا يخرج قولهم جميعا عما جاء في المعجم الوسيط ” الزَّمَان: الْوَقْت قَلِيله وَكَثِيره” ما الزمان؟! ما الوقت؟! لا شيء يفصح عن الماهية أو يبين عن الحقبقة؛ فيصبح الأمر كمن فسر الماء بالماء. ولا يزيدك البحث عن دلالتهما إلا حيرة وغموضاً

 

الزمن عند الفلاسفة

عندما تقرأ عن مفهوم الزمن في كتب التعريفات، أو عند الفلاسفة والمتكلمين لاتجد ما يكشف عن الحقيقة أو يزيل اللبس، شأنها شأن كتب اللغة. يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي: “والمذاهب التي وضعها السابقون في الزمان يمكن أن ترد في النهاية إلى ثلاَثة رئيسبة عند السالفين في الزمان: المذهب الطبيعي ويمثله أرسطو، الذي حلل الزمان تحليلا يمكن أن يعد الصورة العليا للزمان والوجود المرتبط به عند الأوائل يعني اليونان. والمذهب النقدي أو المتصل بنظربة المعرفة الذي أقامه “كنت” وسار عليه متأثروه حتى نهاية القرن الماضي. ثم المذهب الحيوى الذي فصله “برجسون”. هذا في داخل مجال الفلسفة القديمة. وهناك في الفيزياء مذهبان المذهب: المطلق يمثله “نيوتن” ، والمذهب النسبى يمثله “اينشتين.” (6) وبالبحث عن هذه المذاهب مع الدكتور عبد الرحمن بدوي، لا تجد ما ينير لك الطريق، أو يكشف عن الحقيقة، وأنا هنا لا أريد أن أضع القاريء في متاهة فكرية لا طائل منها؛ وذلك لأن الزمان كما المكان مخلوق لله جل وعلا وهما محل للمخلوقات و الحوادث، ومن عظمتهما واتقان صنعهما، يعجز الباحثون عن إدراك كنههما ووصف ماهيتهما، جاء في الموسوعة الحرة ويكبيديا “الزمن هو عملية تقدم الأحداث بشكلٍ مستمر وإلى أجل غير مسمى بدءً من الماضي مروراً بالحاضر وحتى المستقبل، وهي عملية لا رجعة فيها… ربما يكون مصطلح الزمن الأعصى على التعريف، فالزمن أمر نحس به أو نقيسه أو نقوم بتخمينه،”

الزمان والمكان هما إطاران للوجود، نوقن بوجودهما ونشعر بأثرهما، ولكننا نعجز عن إدراك حقيقتهما، والعجز عن الإدراك إدراك، كما روي عن بعض السلف؛ فالله جل وعلا يخلق ما يقصر فهم الإنسان وعلمه عن الوقوف على أسراره وبديع صنعه فيه تقريرا له بعظمة خالقه، وبعلمه الكامل، وحكمته التامة، وقدرته المطلقة.

الزَّمن مخلوقٌ عظيم

لا تجد أبلغ في بيان عظمة هذا المخلوق من قسم الله تعالى به أو ببعض أجزائه قال الله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ” الْعَصْرُ: الزَّمَانُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ حَرَكَاتُ بَنِي آدَمَ، مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.” (7) وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى: ” أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَصْرِ قَسَمًا يُرَادُ بِهِ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ. وَالْمُقْسَمُ بِهِ مِنْ مَظَاهِرِ بَدِيعِ التَّكْوِينِ الرَّبَّانِيِّ الدَّالِّ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَسِعَةِ عِلْمِهِ.” (8)

الزمن نعمة من الله تعالى
الزمان والمكان نعمة من الله تعالى على الإنسان أن يحسن الإستفادة مما أتيح له منهما يقول الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إبراهيم : 32-34] يخبر الله تعالى: أنه سبحانه الخالق للسماوات والأرض وما أودعه فيهما من نعم لتستقيم الحياة ويسعد البشر، وبين الله جل وعلا أنه سخر الشمس والقمر؛ ليسهل على الناس حساب الوقت لضبط مصالحهم، وانتظام معايشهم ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ﴾ قال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى: “وَتَسْخِيرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ خَلْقُهُمَا بِأَحْوَالٍ نَاسَبَتِ انْتِفَاعَ الْبَشَرِ بِضِيَائِهِمَا، وَضَبْطِ أَوْقَاتِهِمْ بِسَيْرِهِمَا. وَمَعْنَى دائِبَيْنِ دَائِبَيْنِ عَلَى حَالَاتٍ لَا تَخْتَلِفُ إِذْ لَوِ اخْتَلَفَتْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَشَرُ ضَبْطَهَا فَوَقَعُوا فِي حَيْرَةٍ وَشَكٍّ.” (9)

 

الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ

من النعم العظيمة التي لا يقدرها الناس حق قدرها الصحة والفراغ، ولعل ذلك لكونها سابغة محيطة ملازمة، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ﴾[الْمُلْكِ: 23]. أي جعلها ملازمة لكم تنتفعون بها، ومع ذلك فإنكم قليلا ما تشكرون الله عليها بتسخيرها وفق مراده وفي طاعته. ومن النعم العظيمة التي من الله سبحانه بها علينا الوقت، ووقت الإنسان هو الفترة الزمنية التي منحها الله جل وعلا له في هذه الحياة “عمرة” وإذا مضى العمر فإنه لا يعود، ولله در أمير الشعراء حين قال:
المجد والشرف الرفيع صحيفة جُعلت لها الأخلاق كالعنوان
دقات قلب المرء قائلة له إنّ الحياة دقائق وثواني
قال بعض العقلاء: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وفي الحكمة: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. والخير والروعة والجمال في قول الرسول صلى الله عليه وسلم «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ»(10) قوله صلى الله عليه وسلم: “مغبون فيهما” أي ذو خسران فيهما. قال ابن الخازن النعمة ما يتنعم به الإنسان ويستلذه. والغبن أن يشتري بأضعاف الثمن أو يبيع بدون ثمن المثل. فمن صح بدنه وتفرغ من الأشتغال العائقة ولم يسع لصلاح آخرته فهو كالمغبون في البيع. والمقصود بيان أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونهما في غير محالهما. فيصير كل واحد منهما في حقهم وبالا. ولو أنهم صرفوا كل واحد منهما في محله لكان خيرا لهم أي خير. ويعتبر الذاهلين عن غدهم ? الغارقين فى حاضرهم ? المسحورين ببريق الدار العاجلة ? قوما خاسرين سفهاء: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[يونس: 7- 8]. (11)

محمد عبد الحميد العدوي


(1) سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ما حكم التهنئة بالسنة الهجرية وماذا يرد على المهنئ ؟ فأجاب رحمه الله :إن هنّأك احد فَرُدَّ عليه ولا تبتديء أحداً بذلك هذا هو الصواب في هذه المسألة لو قال لك إنسان مثلاً نهنئك بهذا العام الجديد قل: هنأك الله بخير، وجعله عام خير وبركه، لكن لا تبتدئ الناس أنت لأنني لا أعلم أنه جاء عن السلف أنهم كانوا يهنئون بالعام الجديد بل اعلموا أن السلف لم يتخذوا المحرم أول العام الجديد إلا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال الشيخ عبد الكريم الخضير في التهنئة بدخول العام الهجري :الدعاء للمسلم بدعاء مطلق لا يتعبد الشخص بلفظه في المناسبات كالأعياد لا بأس به لاسيما إذا كان المقصود من هذه التهنئة التودّد، وإظهار السرور والبشر في وجه المسلم. قال الإمام أحمد رحمه الله: لا ابتدئ بالتهنئة فإن ابتدأني أحد أجبته لأن جواب التحية واجب وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها ولا هو أيضا مما نهي عنه

 

المراجع


(2) المعجم الوسيط 1/401
(3) لمعجم الوسيط 2/1048
(4) معجم مقاييس اللغة 3/22.
(5) الزمان الوجودي ص48.
(6) الموسوعة العربية العالمية المكتبة الشاملة
(7) تفسير القرآن العظيم 8/480.
(8) التحرير والتنوير 30/528.
(9) التحرير والتنوير 13/236.
(10) أخرجه البخاري برقم (6412) وسنن الترمذي برقم (2304) وسنن ابن ماجة برقم (4170) .
(11) خلق المسلم ص187.

5/5

أَحدَثُ المَقَالات